أسس المسيحية: الصراع الطبقي في الإمبراطورية الرومانية

ترجمة/ سعيد العليمي

اختارت عدد من التصنيفات أن تضع هذا الكتاب ضمن أهم مئة كتاب صدروا في القرن العشرين، وما زال حتى اليوم يعتبر أهم مرجع يبحث في نشأة الأديان من منطلقات مادية تاريخية.

وهو من أهم منشورات \”دار المرايا\” النص التأسيسي: \”أسس المسيحية\” للمنظّر الاشتراكي الألماني كارل كاوتسكي.

كتاب لكاوتسكي؟! أمر قد يثير دهشة البعض، خاصة المطلعين على تاريخ الماركسية الغربية.

فكارل كاوتسكي هو الشخص الذي تعرّف عليه كثيرون من اتباع ماركس والمتأثرين به على أنه \”المرتد كاوتسكي\” ليس أكثر -حسب وصف القائد الأشهر للثورة البلشفية 1917، فلاديمير إيليتش لينين، له.

ربما تكون مفارقة التاريخ التي جعلت شهرة كاوتسكي تأتي على يد أعدائه، والتي جعلته بالتالي يُذكر في عدد لا حصر له من الكتابات بوصفه \”المرتد الخائن\”، هي التي حرمت قراء كثيرين من الاطلاع إنتاجه العلمي. لكن هذا فيه خسارة كبيرة.

فكما يشير سعيد العليمي، مترجم كتاب \”أسس المسيحية\” وكاتب مقدمته: \”لتراث المرء وجودًا \”موضوعيًا\” مستقلًا عن تقلبات مصائره، الأمر الذي يدعونا إلى ألا نجحده ونعود إليه ونستفيد منه\”.

ينطبق هذا أكثر ما ينطبق، في حالة كاوتسكي، على كتاب \”أسس المسيحية\” المنشور في 1908. إذ يعد هذا النص أول محاولة متكاملة لتفسير التاريخ المسيحي وفقًا للمنهج المادي التاريخي.

فقد ربط كاوتسكي بين طبيعة التكوين الاجتماعي في الإمبراطورية الرومانية الشرقية -الاقتصاد العبودي، الفلاحون الأحرار المضطهدون، إلخ- وظهور مخلّصين مهدويين تمردوا على النير الروماني من منطلقات لها شكل روحي خلاصي، في حين أن مضمونها الاجتماعي يمثل تعبيرًا عن أوضاع الصراع الطبقي في الشرق القديم.

وإن كانت البحوث الأركيولوجية والتاريخية اللاحقة على كتاب كاوتسكي (الذي نُشر من أكثر من 110 عامًا) قد وضعت الإنسانية على مستوى آخر تمامًا، أعمق وأدق، فيما يتعلق بفهم تاريخ المسيحية وإمبراطوريات المشرق، فإن هذا لا ينفي أن الخطوط العريضة لتحليل كاوتسكي ما زالت تحتفظ بقوتها النظرية حتى الآن.

فقد فتحت بحوث كاوتسكي، وأمثاله من المنظرين الماركسيين الأوائل، الباب على مصراعيه لتأسيس تراث ذو شأن من التحليلات المادية التاريخية للظاهرة الدينية، لا تختزلها إلى الأساس الاقتصادي للمجتمع، لكنها في الوقت نفسه تركز على تجليات الأوضاع الطبقية للمجتمعات في الفكر والروح والمعتقد.

فحتى لو كان ماركسيون محدثون كرونالد بوير (كما ينقل سعيد) لديهم ما يقولونه بصدد انحيازات كاوتسكي -التي جعلته مثلا يراكم قرائن ضعيفة في محاولة لإثبات شيوعية المجتمع المسيحي الأول- فإن الحقيقة أن حتى بوير نفسه يعترف لكاوتسكي بأنه هو من فتح الباب لمشروع معرفي لم يغلق بابه حتى الآن.