ثورة المجر 1956

إن أدق تعبير موجَز لوصف كتاب “ثورة المجر” أنه (كتاب الحالة الفريدة)، ذلك لما يجتمع به من مفارقات ومميزات لم يجمعها كتاب قط من قبل، فالكتاب – قبل كل شيء – هو الترجمة العربية الأولى والوحيدة للكتاب الوحيد الذي يرصد مشاهد من ثورة المجر! وتلك ميزة بالطبع، لكنها أقل ما يمتاز به الكتاب.
إذ إن مؤلف الكتاب كان يبلغ من العمر – وقت تأليفه – اثني عشر عامًا، أي أننا بصدد كتاب يحمل من الصدق ما تحمله عين صبي يرصد دون تحوير، ويحكي دون تفسير، مما يجنب هذا الكتاب – من ناحيته السياسية – شبهة التحيز، ناهيك بكونه مكتوبًا أصلًا في شكل يوميات لهذا الصبي “جولا تشتش”، مما عزز عنصر الصدق والصراحة في حالة الرصد هذه.
نقول أن للكتاب (ناحية سياسية).. ذلك أن له ناحية أخرى تزيد من قيمته كثيرًا، وهي (ناحية اجتماعية) تظهر من بين ثنايا تلك اليوميات، والتي – كما أشرنا – كُتبت بأسلوب صبي لم يتعدَ الثانية عشرة! تلك الناحية الاجتماعية ترسم بعض ملامح البيت المجري والأسرة المجرية، وهو ما يفتح بُعدًا مهمًا للقارئ العربي على وجه الخصوص، والذي أُتيحت له الفرصة هنا لإلقاء نظرة على نموذج أُسري أُوروبي في العام 1956م. هذا بخلاف كونه نموذجًا لفن كتابة اليوميات، نموذجًا هو الأشهر على مستوى العالم.
وهكذا.. يجمع هذا الكتاب بين عين الراصد الصغير والأحداث الكبيرة التي ترصدها تلك العين، وبين تفاعل الأسرة المجرية مع معطيات الوضع السياسي والاجتماعي آنذاك من جهة والحياة اليومية المدرسية ببراءتها وفروضها المنزلية ولعبها من جهة أخرى، بين اللغة البسيطة على لسان الصبي الصغير وما تصفه هذه اللغة البسيطة من مشاهد عنف تجتاح الشارع المجري. إن لندرة الأخبار التي تم توثيقها عن ثورة المجر تجعل من هذا الكتاب المرجع الأهم لتلك الانتفاضة، لا سيما وقد ظهرت هذه اليوميات للمرة الأولى بعد خمسين عامًا من كتابتها وإخفائها حتى العام 2006م، حين كشف العجوز جولا تشتش عن يوميات صباه للحكومة المجرية والتي طبعته بدورها وعدَّته أهم مرجع لتوثيق ثورتها.