ذواكر النعمان: حين تخضب الدماء سيرة الأجيال

طالبًا قاموسًا عن لغة الأبستاق الخاصة بالمجوس؛ أشياء كهذه لا تأتي من مكتبات كتلك، كُتب كتلك لن تجدها سوى لدى المشعوذين والدجالين ومُدعي السحر، وأغلب هؤلاء قد يصيبه العته إذ ما ذكرت له فقط لفظة الأبستاق، نفث دخان سيجارته وغادر فراشه وغرفته كلها إلى الصالة، جلس على الأريكة بجوار ذواكر والده، والكيس البلاستيكي المحاط بالأسلاك، والكتاب الضخم الذي وجده وسط حطام غرفة أبيه، راح يتأمل المجموعة مُبتسمًا فى حزن، ابتسامة باهتة تشفُ عن حيرته وعجزه، وهو ينقل بصره بينهما، استقرت عيناه على الكتاب الضخم، فركن عُكازه ومد أصابعه يلتقطه، تأمل غلافه الذى طمسته النيران، وتعجب من تماسكه وصموده، قرر أن يطّلع عليه علّه يجد ما يفيد، ففتح الكتاب ليفاجأ بأنه يفتح علبة، صندوق خفي على هيئة كتاب ضخم كبير غزير الصفحات بلا صفحات، فقط هي كتلة واحدة مقسومة نصفين بينها فراغ، حوى أوراقًا تعلوها سطور بلغة غريبة لا يفقهها، كُتبت ترجمتها أسفلها بخطٍ يعرفه جيدًا، خط والده الراحل، الذي عرفه من ذواكره التي تحصّل عليها فى المنيا، كاد قلبه يثب فرحًا من صدره، تألقت عيناه ببريق الأمل في توالٍ مُتعدد وهو يُخرج رُزمة الأوراق ويتأملها بنشوة، افترّ ثغره عن ابتسامة واسعة وانعدام تصديق، تمالك جأشه وركن الكتاب أو الصندوق إلى جواره، وبدأ يتصفح الأوراق المترجمة، والتي تجاوز عددها الخمسين في تقديره.