مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية

شاء الله عز وجل أن تكون حياة البشر بين حدين دائمًا، سواء أكانوا أفرادًا أم جماعات أم أممًا؛ فنجد الحياة يتعاقب عليها الليل والنهار، القوة والضعف، الجمال والقبح، الخير والشر، الحلال والحرام، الأبيض والأسود؛ لكن الله عز وجل وضع بين هذه الحدود دائمًا درجات متعددة ومتنوعة تيسيرًا على البشر. فبين الليل الحالك والنهار الساطع فترة من الزمن يتدرَّج فيها السواد وكذلك ضوء النهار، وبين الجمال والقبح درجات متعددة من كليهما، ويوجد من الأمور في الحياة ما يقف بين الخير والشر لا تستطيع أن تنسبه إلى أحدهما، وبين الحلال والحرام أمور متشتبهات كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اجتنبها فقد استبرأ لدينه وعرضه، وبين الأبيض والأسود درجات ومساحات من الألوان، حتى يخيل للمرء أن هذا الأمر (التعدد) من قوانين الحياة وسنن الله في الكون، والشريعة الإسلامية باعتبارها القانون الإلهي الخاتم الذي ينظم العلاقة بين العبد وربه وبين الإنسان وأخيه الإنسان في كل مكان وحتى نهاية الزمان – اشتملت على أمور داخلية تجعلها صالحة لأداء هذا الغرض محققة لمقاصدها الخمسة (حفظ الدين، والنفس، العقل، والنسب، والمال)، ومن هذه الأمور التدرج، والتيسير. وفي هذا الكتاب –قراءنا الأعزاء– نبسط لمظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية الغراء، وعلى رأس مظاهر التيسير التي يفرد لها الكتاب التيسير في العبادات والتيسير في وضع العقوبات والحدود، والتيسير في المعاملات المالية، وفي العقيدة والفقه والزواج والطلاق، وسائر التكليفات. وحسبنا دليلًا وشاهدًا قول الله –تعالى– في كتابه: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [البقرة: 185]، ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه: \”يسروا ولا تعسِّروا وسكِّنوا ولا تنفروا\” [البخاري].