الوجيز في تاريخ اقتصاد الإسلام

من المسلَّم به أن النظام الرأسمالي -بوضعه الراهن- يواجه عددًا كبيرًا من التحديات الجوهرية، التي قد تنتهي به إما إلى تقويض الأسس التي قام عليها هو نفسه، أو تقويض أسس الحياة ومقتضياتها على ظهر هذا الكوكب. لقد أخفق هذا النظام -حتى الآن- في تقديم حلول مُقنعة لمعضلة تصاعد التفاوت الطبقي، وتراكم الثروة في أيدي قطاع صغير من سكَّان الكوكب. إضافة إلى ما أفضى إليه مفهوم تعظيم الربح من الإفراط في الإنتاج والاستهلاك على حدٍّ سواء.

يعالج هذا العمل الموسوعي تاريخ الأفكار الاقتصادية عند المسلمين من لدن عصر النبوَّة والخلافة الراشدة حتى عصرنا الحالي؛ إذ يستعرض البيئة في شبه الجزيرة العربية قبيل ظهور الإسلام، وأثرها على الحياة الاقتصادية عند العرب، وأثر ظهور الإسلام على الحياة الاقتصادية ثمة. كما يتطرَّق إلى آراء العلماء والفقهاء المسلمين واجتهاداتهم وإسهاماتهم في مختلف المسائل الاقتصادية عبر العصور. ويتناول أيضًا الحياة الاقتصادية، وتطور الفكر الاقتصادي خلال العصرين الأموي والعباسي. ثم يناقش تطور الفكر الاقتصادي الإسلامي في أواخر القرون الوسطى ومستهل العصر الحديث عند العثمانيين والصفويين والمغول. ومن ثمَّ امتدَّ نطاق الكتاب ليرصد أثر حركة الإحياء الإسلامي على الفكر الاقتصادي الإسلامي في العصرين الحديث والمعاصر. كما يعالج الكتاب أبرز اتجاهات الكتابات العلمية في حقل الاقتصاد الإسلامي منذ النصف الثاني من القرن العشرين وصولًا إلى الزمن الحاضر.

وبعدُ، فإن هذا الكتاب نسيج غني بآراء العلماء المسلمين في الحياة الاقتصادية. وتجدر الإشارة إلى أن أكثر العلماء -الذين اشتمل هذا الكتاب على آرائهم- لم يصنِّفوا أنفسهم على أنهم اقتصاديون قطُّ، بل الحقُّ أنه لم يكن هناك علم للاقتصاد -بالمعنى الذي نعرفه- قبل قرنين من الزمان انصرما. ويبدي المتخصصون المحدَثون في الاقتصاد الإسلامي أسفهم لتركيز علم الاقتصاد على القضايا المنهجية، ونبذه خيارات السياسة الاقتصادية ظِهريًّا. وفي حين رأى عدد كبير من الاقتصاديين المتخصصين -على مدار القرن الماضي- أن تخصصهم يكاد يخلو من القِيم، فإن الاقتصاد الإسلامي يُعَد طرف نقيض؛ حيث ينطوي على خيارات سياسية تنبثق من مبادئ أخلاقية. إن الاقتصاد بلا أخلاق يصير أشبه بالميكانيكا، وليس علمًا اجتماعيًّا، ولا إنسانيًّا. ناهيك عن الشرعية التي تُقدَّر بقدر التمكُّن من بلوغ الغايات التي قصَد إليها الوحي.