التحضر الزائف والبحث عن مجتمع بيئي إنساني – دراسة في فكر موري بوكتشين السياسي

يعد موري بوكتشين (Murray Bookchin) (1921-2006) من أبرز المفكرين السياسيين، والاجتماعيين والبيئيين الأمريكيين في القرن العشرين، إنه أحد المفكرين المهمومين بقضايا العصر وكل ما نعاني منه من أزمات ومشكلات على كافة المستويات والأصعدة؛ فقد حاول من خلال كتاباته أن يقدم لنا تحليلا وافيا لهذه المشكلات وتلك الأزمات ولم تتوقف إسهاماته عند تشخيص المرض والبحث عن أسبابه الحقيقية؛ وإنما حاول أن يقدم لنا العلاج الذي يمكن من خلاله استئصال الداء من جذوره، وهذا العلاج في رأيه هو المجتمع البيئي الإنساني. وإذا تساءلنا عن الذي يقصده موري بوكتشين بالمجتمع البيئي الإنساني نجد أنه المجتمع الذي يتحقق فيه التوازن، والتكامل والتفاعل بين البيئة الطبيعية والبيئة الإنسانية؛ فإن علة كل مشكلاتنا وأزماتنا يمكن إرجاعها في الأساس إلى غياب هذا التوازن الذي نتج عنه تدهور شامل على كافة الأصعدة السياسية، والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، والإنسانية، والسبب الذي يقف وراء غياب هذا التوازن هو القضاء على روح التعاون والتعايش والتألف بين البشر من خلال الرغبة في الهيمنة التي يسعى من خلالها بعض البشر إلى فرض هيمنتهم على البعض الآخر، وقد أدى ذلك إلى أن أصبحت لغة العنف والصراع، والتنافر تحل محل لغة التعايش والتعاون. لذلك فإن الحل الذي يقدمه موري بوكتشين هو المجتمع البيئي الإنساني الذي نستعيد فيه التوازن، والتفاعل والتكامل بين البيئتين الطبيعية والإنسانية، ولكي يحدث ذلك يجب أن نتخلص من الداء الذي يحول بيننا وبين تحقيق مثل هذا المجتمع، وهو الهيمنة وفرض الرؤية الأحادية التي أنتجت لنا العوائق والعراقيل التي تحول بيننا وبين المجتمع البيئي الإنساني وأهم هذه العوائق التحضر المبالغ فيه واللامسؤول والذي أدى إلى مخاطر كارثية على كافة المستويات البيئية والإنسانية. يحاول هذا الكتاب الإجابة عن تساؤلات أساسية أهمها: ما الذي يقصده موري بوكتشين بالمجتمع البيئي الإنساني؟، و ما المخاطر التي تحول بيننا وبين تحقيق مثل هذا المجتمع؟ وكيف يمكن أن يتم تجنب هذه المخاطر؟ ما السبل التي يمكن أن يتم التعويل عليها لتحقيق هذا المجتمع وجعله واقعا ملموسا؟ ما البرنامج الشامل الذي قدمه موري بوكتشين لتحقيق مثل هذا المجتمع؟، وما الأسس التي يرتكز عليها سياسيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا، وإنسانيا؟