1919: مائة عام من الثورة

قبل مائة عام، صدحت مصر كلها مرددة نداء سيد درويش وبديع خيري: قوم يا مصري. ما حدث كان أكبر من الثورة؛ كان تأريخ جديد مصري خالص في مصريته يفتتح، وتكتبه جموع أخذت منذ تلك اللحظة تنظر إلى نفسها كأمة مصرية قبل كل شيء، وتشتق من تلك الوطنية الوليدة حسها السياسي وأحلامها الجماعية.

بكلمة: لم تكن ثورة 1919 حركة مقاومة وتحرر فحسب بل رحمًا انبثقت منه الوطنية المصرية.

بدأت ثورة 1919 باحتجاجات طلاب مدرسة الحقوق في القاهرة في التاسع من مارس، وسرعان ما تمددت حتى اشتعلت على مدى وادي النيل، لتدخل تحت مظلتها انتفاضات فلاحية وإضرابات عمالية وتنظيمات سياسية تمارس الاحتجاج السلمي والكفاح السري.

لكن الثورة بقدر ما صهرت تلك المكونات التي انبنت منها الوطنية المصرية بقدر ما حملت تناقضاتها التي تجلت في المفارقة بين موقع النخبة المصرية الثقافي والاجتماعي ومصالحها من جهة، وثقافة الطبقات الشعبية ومصالحها من جهة أخرى.

لكل ذلك، لا يمكن أن تمر ذكري ثورة 19 دون محاولة لكشف مواطن الابتداع وكوامن الطاقة التي سكنتها، والبحث في مواطن القصور والمشكلات التي عانتها.