بعد الليبرالية – إيمانويل فالرشتاين

لست أحاول أن أرسم هنا صورة شديدة القتامة، ولست أحاول أن أجعلها وردية اللون غير أنني أومن أنّ حقبة «بعد «الليبرالية» هي حقبة نضال سياسي كبرى أكثر أهمية وأكثر أصالة من أية حقبة أخرى مرّت بنا في غضون السنوات الخمسمائة المنصرمة ذلك أنني أرى القوى التي تُفيد من االمتيازات مدركة تمام اإلدراك أن «كلّ شيء يجب أن يتغير حتى ال يتغير شيء»، وهي تسعى في سبيل ذلك بكل ما أوتيت من حذق وبراعة. وأرى قوى التحرر وقد تقطعت أنفاسها، بالمعنى الحرفي للكلمة، حين أبصرت الالجدوى التاريخية لمشروعها السياسي الذي أنفقت فيه نحوًا من مئة وخمسين عامًا من النضال أعني مشروع التحول االجتماعي المتأتي من طريق حيازة سلطة الدولة دولة تلو األخرى. كما أنها ليست تبدو واثقةً من وجود مشروع بديل. أما إخفاق المشروع آنف الذكر، بل إخفاق إستراتيجية اليسار العالمي في األساس، إنما كان ألنهما أشربا األيديولوجيا الليبرالية واصطبغا بصبغتها، حتى في أكثر صيغها غير الليبرالية «الثورية» زعموا كاللينينية. وإلى أن تتضح حقيقة ما حدث بين عامي ۱۷۸۹ و۱۹۸۹: لن يكون هناك مشروع تحرّري يقبله العقل في القرن الحادي والعشرين.